الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90253 مشاهدة
الألفاظ المترادفة

يقول: إما لكونه متواطئا في الأصل والتواطؤ معناه أن يكون المعنى له عدة ألفاظ يعبر بها عنه، المعنى الواحد قد يكون له عدة أسماء، كأسماء الأسد، فإنها أسماء متواطئة: الأسد والهزبر والليث مسميات متواطئة؛ لأنها كأن العرب تواطئوا على تسميتها بعدة هذه الأسماء.
فالاشتراك اشتراك أكثر من واحد في لفظ واحد كقسورة، والتواطؤ كون المعنى الواحد يطلق عليه عدة أسماء، يقول: لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين، هذا المتواطئ مثل قوله تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من المراد بالذي دَنَا فَتَدَلَّى قيل: إنه الملك دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وتدلى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وقيل: إن المراد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما عرج به، أنه دنا من ربه وأنه كان قاب قوسين أو أدنى، واللفظ مشتمل يعني متواطئا.
ومثل الفجر في قوله تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قيل: إن المراد به الفجر يعني الصلاة وقيل: إن الفجر هو انفجار الصبح، والليالي العشر قيل: إنها ليالي عشر رمضان، وقيل: عشر ذي الحجة متواطئا يصلح كذا وكذا، والشفع والوتر الشفع هو العدد الزوج والوتر هو العدد الفرد، قيل: إن المراد بها الصلوات منها شفع ومنها وتر وقيل غير ذلك.
يقول: مثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك، فالأول إما أن يكون ذِكْرٌ للآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة يعني قد يراد أن الآية نزلت في مثل ثلاثة قروء نزلت في القروء التي هي الأطهار أو القروء التي هي الحيض وما أشبه ذلك، وكذلك أن التدني هو التدلي، إما أنه نزل مرة وأراد به النبي صلى الله عليه وسلم ومرة يراد به جبريل يمكن أن يكون هذا وهذا.
يقولون: إما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، اللفظ المشترك الذي يطلق على هذا وهذا، كلفظة القروء مشتركة، ولفظة ( عسعس ) ولفظة قسورة هذه مشتركة، يجوز أن يراد به معنياه، ولهذا يقول بعضهم: إن المراد إقبال الليل وإدباره وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ يعني: أقبل وأدبر.
وقد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام جوزوا أن يراد باللفظ معنيان إذا كان يصلح له المعنيان، أهل الكلام هنا المتكلمون وأكثرهم من الحنفية، وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب رغم أن المتواطئ هو الأسماء المتعددة، الشيء الذي له عدة أسماء، فإن العرب تتوسع في كثير من الأسماء، كما ذكروا أنهم وضعوا للسيف ألف اسم، وللثعبان مائتين وللأسد خمسمائة، إن هذه هي الألفاظ المتواطئة فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب.